الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - الاستسقاء لغةً: طلب السّقيا، أي طلب إنزال الغيث على البلاد والعباد. والاسم: السّقيا بالضّمّ، واستسقيت فلاناً: إذا طلبت منه أن يسقيك. والمعنى الاصطلاحيّ للاستسقاء هو: طلب إنزال المطر من اللّه بكيفيّةٍ مخصوصةٍ عند الحاجة إليه.
2 - قال الشّافعيّة، والحنابلة، ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة: الاستسقاء سنّةٌ مؤكّدةٌ، سواءٌ أكان بالدّعاء والصّلاة أم بالدّعاء فقط، فعله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وصحابته والمسلمون من بعدهم. وأمّا أبو حنيفة فقال بسنّيّة الدّعاء فقط، وبجواز غيره. وعند المالكيّة تعتريه الأحكام الثّلاثة التّالية: الأوّل: سنّةٌ مؤكّدةٌ، إذا كان للمحلّ والجدب، أو للحاجة إلى الشّرب لشفاههم، أو لدوابّهم ومواشيهم، سواءٌ أكانوا في حضرٍ، أم سفرٍ في صحراء، أو سفينةٍ في بحرٍ مالحٍ. الثّاني: مندوبٌ، وهو الاستسقاء ممّن كان في خصبٍ لمن كان في محلٍّ وجدبٍ؛ لأنّه من التّعاون على البرّ والتّقوى. ولما روى ابن ماجه «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى». وصحّ: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ، عند رأسه ملكٌ موكّلٌ كلّما دعا لأخيه بخيرٍ قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثلٍ». ولكنّ الأوزاعيّ والشّافعيّة قيّدوه بألاّ يكون الغير صاحب بدعةٍ أو ضلالةٍ وبغيٍ. وإلاّ لم يستحبّ زجراً وتأديباً؛ ولأنّ العامّة تظنّ بالاستسقاء لهم حسن طريقهم والرّضى بها، وفيها من المفاسد ما فيها. مع أنّهم قالوا: لو احتاجت طائفةٌ من أهل الذّمّة وسألوا المسلمين الاستسقاء لهم فهل ينبغي إجابتهم أم لا ؟ الأقرب: الاستسقاء لهم وفاءً بذمّتهم. ثمّ علّلوا ذلك بقولهم: ولا يتوهّم مع ذلك أنّا فعلناه لحسن حالهم؛ لأنّ كفرهم محقّقٌ معلومٌ. ولكن تحمل إحابتنا لهم على الرّحمة بهم، من حيث كونهم من ذوي الرّوح، بخلاف الفسقة والمبتدعة. الثّالث: مباحٌ، وهو استسقاء من لم يكونوا في محلٍّ، ولا حاجة إلى الشّرب، وقد أتاهم الغيث، ولكن لو اقتصروا عليه لكان دون السّعة، فلهم أنيسألوا اللّه من فضله.
3 - ثبتت مشروعيّته بالنّصّ والإجماع، أمّا النّصّ فقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً يرسل السّماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهاراً}. كما استدلّ له بعمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين من بعده، فقد وردت الأحاديث الصّحيحة في استسقائه صلى الله عليه وسلم. روى أنسٌ رضي الله عنه: «أنّ النّاس قد قحطوا في زمن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فدخل رجلٌ من باب المسجد ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب. فقال: يا رسول اللّه هلكت المواشي، وخشينا الهلاك على أنفسنا، فادع اللّه أن يسقينا. فرفع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللّهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مغدقاً عاجلاً غير رائثٍ. قال الرّاوي: ما كان في السّماء قزعةٌ، فارتفعت السّحاب من هنا ومن هنا حتّى صارت ركاماً، ثمّ مطرت سبعاً من الجمعة إلى الجمعة. ثمّ دخل ذلك الرّجل، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب، والسّماء تسكب، فقال: يا رسول اللّه تهدّم البنيان، وانقطعت السّبل، فادع اللّه أن يمسكه، فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لملالة بني آدم. قال الرّاوي: واللّه ما نرى في السّماء خضراء. ثمّ رفع يديه، فقال: اللّهمّ حوالينا ولا علينا، اللّهمّ على الآكام والظّراب، وبطون الأودية، ومنابت الشّجر. فانجابت السّماء عن المدينة حتّى صارت حولها كالإكليل». واستدلّ أبو حنيفة بهذا الحديث وجعله أصلاً، وقال: إنّ السّنّة في الاستسقاء هي الدّعاء فقط، من غير صلاةٍ ولا خروجٍ. واستدلّ الجمهور بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «شكا النّاس إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوضع له في المصلّى، ووعد النّاس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشّمس، فقعد على المنبر، فكبّر وحمد اللّه عزّ وجلّ ثمّ قال: إنّكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم اللّه عزّ وجلّ أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم. ثمّ قال: الحمد للّه ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدّين، لا إله إلاّ اللّه يفعل ما يريد، اللّهمّ أنت اللّه لا إله إلاّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوّةً وبلاغاً إلى حينٍ. ثمّ رفع يديه فلم يزل في الرّفع حتّى بدا بياض إبطيه، ثمّ حوّل إلى النّاس ظهره، وقلب أو حوّل رداءه وهو رافعٌ يديه، ثمّ أقبل على النّاس، ونزل فصلّى ركعتين، فأنشأ اللّه سحابةً فرعدت وبرقت ثمّ أمطرت بإذن اللّه تعالى، فلم يأت مسجده حتّى سالت السّيول، فلمّا رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتّى بدت نواجزه فقال: أشهد أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٍ، وأنّي عبد اللّه ورسوله». وقد استسقى عمر رضي الله عنه بالعبّاس، وقال: اللّهمّ إنّا كنّا إذا قحطنا توسّلنا إليك بنبيّك فتسقينا، وإنّا نتوسّل بعمّ نبيّك فاسقنا فيسقون. وكذلك روي أنّ معاوية استسقى بيزيد بن الأسود. فقال: اللّهمّ إنّا نستسقي بخيرنا وأفضلنا، اللّهمّ إنّا نستسقي بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى اللّه تعالى» فرفع يديه، ورفع النّاس أيديهم. فثارت سحابةٌ من الغرب كأنّها ترسٌ، وهبّ لها ريحٌ، فسقوا حتّى كاد النّاس ألاّ يبلغوا منازلهم.
4 - إنّ الإنسان إذا نزلت به الكوارث، وأحدقت به المصائب فبعضها قد يستطيع إزالتها، وبعضها لا يستطيع بأيّ وسيلةٍ من الوسائل، ومن أكبر المصائب والكوارث الجدب المسبّب عن انقطاع الغيث، الّذي هو حياة كلّ ذي روحٍ وغذاؤه، ولا يستطيع الإنسان إنزاله أو الاستعاضة عنه، وإنّما يقدر على ذلك ويستطيعه ربّ العالمين فشرع الشّارع الحكيم سبحانه الاستسقاء، طلباً للرّحمة والإغاثة بإنزال المطر الّذي هو حياة كلّ شيءٍ ممّن يملك ذلك، ويقدر عليه، وهو اللّه جلّ جلاله.
5 - الاستسقاء يكون في أربع حالاتٍ: الأولى: للمحلّ والجدب، أو للحاجة إلى الشّرب لشفاههم، أو دوابّهم ومواشيهم، سواءٌ أكانوا في حضرٍ، أم سفرٍ في صحراء، أم سفينةٍ في بحرٍ مالحٍ. وهو محلّ اتّفاقٍ. الثّانية: استسقاء من لم يكونوا في محلٍّ، ولا حاجة إلى الشّرب، وقد أتاهم الغيث، ولكن لو اقتصروا عليه لكان دون السّعة، فلهم أن يستسقوا ويسألوا اللّه المزيد من فضله. وهو رأيٌ للمالكيّة والشّافعيّة. الثّالثة: استسقاء من كان في خصبٍ لم كان في محلٍّ وجدبٍ، أو حاجةٍ إلى شربٍ. قال به الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة. الرّابعة: إذا استسقوا ولم يسقوا. اتّفقت المذاهب الأربعة: الحنفيّة، والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة على تكرار الاستسقاء، والإلحاح في الدّعاء؛ لأنّ اللّه تعالى يحبّ الملحّين في الدّعاء، ولقوله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم} ولأنّ الأصل في تكرار الاستسقاء قوله صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» ولأنّ العلّة الموجبة للاستسقاء هي الحاجة إلى الغيث، والحاجة إلى الغيث قائمةٌ. قال أصبغ في كتاب ابن حبيبٍ: وقد فعل عندنا بمصر، واستسقوا خمسةً وعشرين يوماً متواليةً يستسقون على سنّة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهبٍ. إلاّ أنّ الحنفيّة قالوا بالخروج ثلاثة أيّامٍ فقط، وقالوا: لم ينقل أكثر من ذلك. ولكن صاحب الاختيار قال: يخرج النّاس ثلاثة أيّامٍ متتابعةٍ. وروي أكثر من ذلك.
6 - والاستسقاء على ثلاثة أنواعٍ. اتّفق على ذلك فقهاء المذاهب الأربعة؛ لثبوت ذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقد فضّل بعض الأئمّة بعض الأنواع على بعضٍ، ورتّبوها حسب أفضليّتها. فقال الشّافعيّة والحنابلة: الاستسقاء ثلاثة أنواعٍ: النّوع الأوّل: وهو أدناها، الدّعاء بلا صلاةٍ، ولا بعد صلاةٍ، فرادى ومجتمعين لذلك، في المسجد أو غيره، وأحسنه ما كان من أهل الخير. النّوع الثّاني: وهو أوسطها، الدّعاء بعد صلاة الجمعة أو غيرها من الصّلوات، وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك. قال الشّافعيّ في الأمّ: وقد رأيت من يقيم مؤذّناً فيأمره بعد صلاة الصّبح والمغرب أن يستسقي، ويحضّ النّاس على الدّعاء، فما كرهت ما صنع من ذلك. وخصّ الحنابلة هذا النّوع بأن يكون الدّعاء من الإمام في خطبة الجمعة على المنبر. النّوع الثّالث: وهو أفضلها، الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين، وتأهّبٍ لها قبل ذلك، على ما سيأتي في الكيفيّة. يستوي في ذلك أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون، ويسنّ لهم جميعاً الصّلاة والخطبتان، ويستحبّ ذلك للمنفرد إلاّ الخطبة. وقال المالكيّة: الاستسقاء بالدّعاء سنّةٌ، أي: سواءٌ أكان بصلاةٍ أم بغير صلاةٍ، ولا يكون الخروج إلى المصلّى إلاّ عند الحاجة الشّديدة إلى الغيث، حيث فعله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وأمّا الحنفيّة: فأبو حنيفة يفضّل الدّعاء والاستغفار في الاستسقاء؛ لأنّه السّنّة، وأمّا الصّلاة فرادى فهي مباحةٌ عنده، وليست بسنّةٍ، لفعل الرّسول لها مرّةً وتركها أخرى. وأمّا محمّدٌ فقد قال: الاستسقاء يكون بالدّعاء، أو بالصّلاة والدّعاء، والكلّ عنده سنّةٌ، وفي مرتبةٍ واحدةٍ وأمّا أبو يوسف فالنّقل عنه مختلفٌ في المسألة، فقد روى الحاكم أنّه مع الإمام، وروى الكرخيّ أنّه مع محمّدٍ، ورجّح ابن عابدين أنّه مع محمّدٍ.
7 - إذا كان الاستسقاء بالدّعاء فلا خلاف في أنّه يكون في أيّ وقتٍ، وإذا كان بالصّلاة والدّعاء، فالكلّ مجمعٌ على منع أدائها في أوقات الكراهة، وذهب الجمهور إلى أنّها تجوز في أيّ وقتٍ عدا أوقات الكراهة. والخلاف بينهم إنّما هو في الوقت الأفضل، ما عدا المالكيّة فقالوا: وقتها من وقت الضّحى إلى الزّوال، فلا تصلّى قبله ولا بعده، وللشّافعيّة في الوقت الأفضل ثلاثة أوجهٍ: الأوّل: ووافقهم عليه المالكيّة، وهو الأولى عند الحنابلة: وقت صلاة الاستسقاء وقت صلاة العيد. وبهذا قال الشّيخ أبو حامدٍ الإسفرايينيّ وصاحبه المحامليّ في كتبه: المجموع، والتّجريد، والمقنع، وأبو عليٍّ السّنجيّ، والبغويّ. وقد يستدلّ له بحديث ابن عبّاسٍ الّذي روته السّنن الأربع عن إسحاق بن عبد اللّه بن كنانة قال: «أرسلني الوليد بن عتبة - وكان أمير المدينة - إلى ابن عبّاسٍ أسأله عن استسقاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم متبذّلاً متواضعاً متضرّعاً، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد». الثّاني: أوّل وقتها وقت صلاة العيد، وتمتدّ إلى صلاة العصر. وهو الّذي ذكره البندنيجيّ، والرّويانيّ وآخرون. لما روت عائشة: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشّمس» لأنّها تشبهها في الوضع والصّفة، فكذلك في الوقت، إلاّ أنّ وقتها لا يفوت بالزّوال. الثّالث: وعبّر عنه الشّافعيّة بالصّحيح والصّواب، وهو الرّأي المرجوح عند الحنابلة أيضاً: أنّها لا تختصّ بوقتٍ معيّنٍ، بل تجوز في كلّ وقتٍ من ليلٍ أو نهارٍ، إلاّ أوقات الكراهة على أحد الوجهين، وهو الّذي نصّ عليه الشّافعيّ، وبه قطع الجمهور، وصحّحه المحقّقون. وممّن قطع به صاحب الحاوي، وصحّحه الرّافعيّ في المحرّر، وصاحب جمع الجوامع، واستصوبه إمام الحرمين. واستدلّوا له بأنّها لا تختصّ بيومٍ كصلاة الاستخارة، وركعتي الإحرام وغيرهما. وقالوا: إنّ تخصيصها بوقتٍ كصلاة العيد ليس له وجهٌ أصلاً. ولأنّ الشّافعيّ نصّ على ذلك وأكثر الأصحاب. وقال ابن عبد البرّ: الخروج إليها عند زوال الشّمس عند جماعةٍ من العلماء. وأمّا الحنفيّة: فلم يذكر عندهم وقتٌ لها، ولم يتكلّموا في تحديده. وقد يكون هذا؛ لأنّ السّنّة عند الإمام في الاستسقاء الدّعاء، والدّعاء في كلّ وقتٍ، وليس له زمانٌ معيّنٌ. 8 - اتّفقت المذاهب الأربعة على أنّ الاستسقاء يجوز في المسجد، وخارج المسجد. إلاّ أنّ المالكيّة لا تقول بالخروج إلاّ في وقت الشّدّة إلى الغيث، والشّافعيّة والحنابلة يفضّلون الخروج مطلقاً، لحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما. «خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذّلاً متواضعاً متضرّعاً حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد». وقال الشّافعيّة: يصلّي الإمام في الصّحراء، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلاّها في الصّحراء؛ ولأنّه يحضرها غالب النّاس والصّبيان والحيّض والبهائم وغيرهم، فالصّحراء أوسع لهم وأرفق. وقال الحنفيّة بالخروج أيضاً، إلاّ أنّهم قالوا: إنّ أهل مكّة وبيت المقدس يجتمعون في المسجدين، وقال بعضهم: ينبغي كذلك لأهل المدينة أن يجتمعوا في المسجد النّبويّ؛ لأنّه من أشرف بقاع الأرض، إذ حلّ فيه خير خلق اللّه صلى الله عليه وسلم وعلّل ابن عابدين جواز الاجتماع في مسجد الرّسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ينبغي الاجتماع للاستسقاء فيه، إذ لا يستغاث وتستنزل الرّحمة في المدينة المنوّرة بغير حضرته ومشاهدته صلى الله عليه وسلم في كلّ حادثةٍ. 9 - أورد الفقهاء آداباً يستحبّ فعلها قبل الاستسقاء، فقالوا: يعظ الإمام النّاس، ويأمرهم بالخروج من المظالم، والتّوبة من المعاصي، وأداء الحقوق؛ ليكونوا أقرب إلى الإجابة، فإنّ المعاصي سبب الجدب، والطّاعة سبب البركة.. قال تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} وروى أبو وائلٍ عن عبد اللّه قال: «إذا بخس المكيال حبس القطر» وقال مجاهدٌ في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} قال: دوابّ الأرض تلعنهم يقولون: يمنع القطر بخطاياهم. كما يترك التّشاحن والتّباغض؛ لأنّها تحمل على المعصية والبهت، وتمنع نزول الخير. بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلانٌ وفلانٌ فرفعت». الصّيام قبل الاستسقاء: 10 - اتّفقت المذاهب على الصّيام، ولكنّهم اختلفوا في مقداره، والخروج به إلى الاستسقاء. لأنّ الصّيام مظنّة إجابة الدّعاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصّائم حين يفطر...» ولما فيه من كسر الشّهوة، وحضور القلب، والتّذلّل للرّبّ. قال الشّافعيّة، والحنفيّة، وبعض المالكيّة: يأمرهم الإمام بصوم ثلاثة أيّامٍ قبل الخروج، ويخرجون في اليوم الرّابع وهم صيامٌ. وقال بعض المالكيّة بالخروج بعد الصّيام في اليوم الرّابع مفطرين؛ للتّقوّي على الدّعاء، كيوم عرفة. وقال الحنابلة بالصّيام ثلاثة أيّامٍ، ويخرجون في آخر أيّام صيامهم. الصّدقة قبل الاستسقاء: 11 - اتّفقت المذاهب على استحباب الصّدقة قبل الاستسقاء، ولكنّهم اختلفوا في أمر الإمام بها، قال الشّافعيّة، والحنابلة، والحنفيّة، وهو المعتمد عند المالكيّة: يأمرهم الإمام بالصّدقة في حدود طاقتهم. وقال بعض المالكيّة: لا يأمرهم بها، بل يترك هذا للنّاس بدون أمرٍ؛ لأنّه أرجى للإجابة، حيث تكون صدقتهم بدافعٍ من أنفسهم، لا بأمرٍ من الإمام.
12 - اتّفق الفقهاء على آدابٍ شخصيّةٍ، يستحبّ أن يفعلها النّاس قبل الاستسقاء، بعد أن يعدهم الإمام يوماً يخرجون فيه؛ لحديث عائشة المتقدّم عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «وعد النّاس يوماً يخرجون فيه» فيستحبّ عند الخروج للاستسقاء: التّنظّف بغسلٍ وسواكٍ؛ لأنّها صلاةٌ يسنّ لها الاجتماع والخطبة، فشرع لها الغسل، كصلاة الجمعة. ويستحبّ: أن يترك الإنسان الطّيب والزّينة، فليس هذا وقت الزّينة، ولكنّه يقطع الرّائحة الكريهة، ويخرج في ثيابٍ بذلةٍ، وهي ثياب مهنته، ويخرج متواضعاً خاشعاً متذلّلاً متضرّعاً ماشياً، ولا يركب في شيءٍ من طريقه ذهاباً إلاّ لعذرٍ، كمرضٍ ونحوه. والأصل في هذا حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: «خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذّلاً متخشّعاً متضرّعاً» وهي مستحبّاتٌ لم يرد فيها خلافٌ.
13 - قال أبو حنيفة: إنّ الاستسقاء هو دعاءٌ واستغفارٌ، وليس فيه صلاةٌ مسنونةٌ في جماعةٍ. فإن صلّى النّاس وحداناً جاز، لقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً يرسل السّماء عليكم مدراراً} الآية، وقد استدلّ له كذلك بحديث عمر رضي الله عنه واستسقائه بالعبّاس رضي الله عنه من غير صلاةٍ، مع حرصه على الاقتداء برسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقد علّل ابن عابدين رأي أبي حنيفة فقال: الحاصل أنّ الأحاديث لمّا اختلفت في الصّلاة بالجماعة وعدمها على وجهٍ لا يصحّ معه إثبات السّنّيّة، لم يقل أبو حنيفة بسنّيّتها، ولا يلزم من قوله هذا أنّها بدعةٌ، كما نقل بعض المتعصّبين، بل هو قال بالجواز، والظّاهر أنّ المراد النّدب والاستحباب، لقوله في الهداية: لمّا فعله الرّسول صلى الله عليه وسلم مرّةً وتركه أخرى لم يكن سنّةً؛ لأنّ السّنّة ما واظب عليه. والفعل مرّةً والتّرك أخرى يفيد النّدب. وأمّا المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّدٌ من الحنفيّة: فقالوا بسنّيّة الدّعاء وحده، وبسنّيّته مع صلاةٍ له على التّفصيل الّذي تقدّم.
14 - المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وأبو يوسف، ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة قالوا: الاستسقاء يكون بالصّلاة والدّعاء والخطبة، للأحاديث الواردة في ذلك. وقال أبو حنيفة: لا خطبة في الاستسقاء، وما تقدّم من رواية أنسٍ لا يثبت الخطبة؛ لأنّ طلب السّقيا من رسول اللّه وقع له صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فالخطبة سابقةٌ في هذه الحادثة على الإخبار بالجدب.
15 - في المسألة ثلاثة آراءٍ: الأوّل: تقديم الصّلاة على الخطبة، وهو قول المالكيّة، ومحمّد بن الحسن، والرّاجح عند الحنابلة، وهو الأولى عند الشّافعيّة، وعليه جماعة الفقهاء؛ لقول أبي هريرة: «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ركعتين ثمّ خطبنا» ولقول ابن عبّاسٍ: صنع في الاستسقاء كما يصنع في العيد؛ ولأنّها صلاةٌ ذات تكبيراتٍ، فأشبهت صلاة العيد. الثّاني: تقديم الخطبة على الصّلاة وهو رأيٌ للحنابلة، وخلاف الأولى عند الشّافعيّة، وروي ذلك عن ابن الزّبير، وأبان بن عثمان، وهشام بن إسماعيل، واللّيث بن سعدٍ، وابن المنذر، وعمر بن عبد العزيز. ودليله ما روي عن أنسٍ وعائشة: «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خطب وصلّى»، وروي عن عبد اللّه بن زيدٍ قال: «رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج يستسقي حوّل إلى النّاس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثمّ حوّل رداءه، ثمّ صلّى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة». متّفقٌ عليه. الثّالث: هو مخيّرٌ في الخطبة قبل الصّلاة أو بعدها، وهو رأيٌ للحنابلة؛ لورود الأخبار بكلا الأمرين، ودلالتها على كلتا الصّفتين.
16 - لا يعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافٌ في أنّها ركعتان، واختلف في صفتها على رأيين: الرّأي الأوّل، وهو للشّافعيّة، والحنابلة، وقولٌ لمحمّدٍ، وسعيد بن المسيّب، وعمر بن عبد العزيز: يصلّيها ركعتين يكبّر في الأولى سبعاً، وخمساً في الثّانية مثل صلاة العيد، لقول ابن عبّاسٍ في حديثه المتقدّم: وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد، ولما روي عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء يكبّرون فيها سبعاً وخمساً». الرّأي الثّاني: وهو للمالكيّة، والقول الثّاني لمحمّدٍ، وهو قول الأوزاعيّ، وأبي ثورٍ، وإسحاق: تصلّى ركعتين كصلاة النّافلة والتّطوّع؛ لما روي عن عبد اللّه بن زيدٍ: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استسقى فصلّى ركعتين» وروى أبو هريرة نحوه، ولم يذكرا التّكبير، فتنصرف إلى الصّلاة المطلقة. واتّفقت المذاهب على الجهر بالقراءة في الاستسقاء؛ لأنّها صلاةٌ ذات خطبةٍ، وكلّ صلاةٍ لها خطبةٌ فالقراءة فيها تكون جهراً؛ لاجتماع النّاس للسّماع، ويقرأ بما شاء، ولكن الأفضل أن يقرأ فيهما بما كان يقرأ في العيد، وقيل: يقرأ بسورتي ق ونوحٍ، أو يقرأ بسورتي الأعلى والغاشية، أو بسورتي الأعلى والشّمس. وحذف التّكبيرات أو بعضها أو الزّيادة فيها لا تفسد الصّلاة. وقال الشّافعيّة: ولو ترك التّكبيرات أو بعضها أو زاد فيهنّ لا يسجد للسّهو، ولو أدرك المسبوق بعض التّكبيرات الزّائدة فهل يقضي ما فاته من التّكبيرات ؟ قالوا: فيها القولان، مثل صلاة العيد.
17 - قال الشّافعيّة، والمالكيّة، ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة: يخطب الإمام خطبتين كخطبتي العيد بأركانهما وشروطهما وهيئاتهما، وفي الجلوس إذا صعد المنبر وجهان كما في العيد أيضاً، لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم؛ ولأنّها أشبهتها في التّكبير وفي صفة الصّلاة. وقال الحنابلة، وأبو يوسف من الحنفيّة، وعبد الرّحمن بن مهديٍّ: يخطب الإمام خطبةً واحدةً يفتتحها بالتّكبير، لقول ابن عبّاسٍ: لم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وهذا يدلّ على أنّه ما فصل بين ذلك بسكوتٍ ولا جلوسٍ؛ ولأنّ كلّ من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين. ولا يخرج المنبر إلى الخلاء في الاستسقاء؛ لأنّه خلاف السّنّة. وقد عاب النّاس على مروان بن الحكم عند إخراجه المنبر في العيدين، ونسبوه إلى مخالفة السّنّة. ويخطب الإمام على الأرض معتمداً على قوسٍ أو سيفٍ أو عصاً، ويخطب مقبلاً بوجهه إلى النّاس. وقد صرّح المالكيّة بأنّ الخطبة على الأرض مندوبةٌ، وعلى المنبر مكروهةٌ. أمّا إذا كان المنبر موجوداً في الموضع الّذي فيه الصّلاة، ولم يخرجه أحدٌ ففيه رأيان: الجواز، والكراهة. وقال الحنفيّة، والحنابلة، والشّافعيّة في القول المرجوح: يكبّر في الخطبة كما في صلاة العيد. وقال المالكيّة، والشّافعيّة في الرّاجح عندهم: يستبدل بالتّكبير الاستغفار، فيستغفر اللّه في أوّل الخطبة الأولى تسعاً، وفي الثّانية سبعاً، يقول: أستغفر اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه، ويختم كلامه بالاستغفار، ويكثر منه في الخطبة، ومن قوله تعالى: {استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً} الآية، ويخوّفهم من المعاصي الّتي هي سبب الجدب، ويأمرهم بالتّوبة، والإنابة والصّدقة والبرّ. وقال الحنفيّة، والشّافعيّة، والمالكيّة: يستقبل الإمام النّاس في الخطبة مستدبراً القبلة، حتّى إذا قضى خطبته توجّه بوجهه إلى القبلة يدعو. وقال الحنابلة: يستحبّ للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة؛ لما روى عبد اللّه بن زيدٍ: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فتوجّه إلى القبلة يدعو» وفي لفظٍ: «فحوّل إلى النّاس ظهره واستقبل القبلة يدعو».
18 - يستحبّ الدّعاء بما أثر عن النّبيّ، ومن ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم «أنّه كان يدعو في الاستسقاء فيقول: اللّهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً غدقاً مجلّلاً سحّا عامّاً طبقاً دائماً. اللّهمّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللّهمّ إنّ بالبلاد والعباد والخلق من اللّأواء والضّنك ما لا نشكو إلاّ إليك. اللّهمّ أنبت لنا الزّرع، وأدرّ لنا الضّرع، واسقنا من بركات السّماء، وأنبت لنا من بركات الأرض. اللّهمّ إنّا نستغفرك إنّك كنت غفّاراً، فأرسل السّماء علينا مدراراً، فإذا مطروا. قالوا: اللّهمّ صيّباً نافعاً. ويقولون: مطرنا بفضل اللّه وبرحمته». وروي «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، حين قال له الرّجل: يا رسول اللّه هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع اللّه أن يغيثنا. فرفع يديه وقال: اللّهمّ أغثنا، اللّهمّ أغثنا، اللّهمّ أغثنا». وروي عن الشّافعيّ قوله: «ليكن من دعائهم في هذه الحالة: اللّهمّ أنت أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فأجبنا كما وعدتنا، اللّهمّ امنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتك في سقيانا، وسعة رزقنا، فإذا فرغ من دعائه أقبل على النّاس بوجهه، وحثّهم على الطّاعة، وصلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ودعا للمؤمنين والمؤمنات، وقرأ آيةً من القرآن أو آيتين، ويكثر من الاستغفار، ومن قوله تعالى: {استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً، يرسل السّماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّاتٍ ويجعل لكم أنهاراً}. وروي عن عمر رضي الله عنه أنّه استسقى فكان أكثر دعائه الاستغفار، وقال: لقد استسقيت بمجاديح السّماء.
19 - استحبّ الأئمّة رفع اليدين إلى السّماء في الدّعاء، لما روى البخاريّ عن أنسٍ قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيءٍ من دعائه إلاّ في الاستسقاء». وأنّه يرفع حتّى يرى بياض إبطيه. وفي حديثٍ لأنسٍ «فرفع الرّسول صلى الله عليه وسلم ورفع النّاس أيديهم» وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قريبٌ من ثلاثين حديثاً في رفع اليدين في الاستسقاء. وذكر الأئمّة: أنّه يدعو سرّاً وجهراً، فإذا دعا سرّاً دعا النّاس سرّاً، فيكون أبلغ في البعد عن الرّياء. وإذا دعا جهراً أمّن النّاس على دعاء الإمام. ولهذا يستحبّ أن يدعو بعض الدّعاء سرّاً، وبعضه جهراً، ويستقبل القبلة في دعائه متضرّعاً خاشعاً متذلّلاً تائباً.
20 - اتّفق جمهور الفقهاء على استحباب الاستسقاء بأقارب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبالصّالحين من المسلمين الّذين عرفوا بالتّقوى والاستقامة، لأنّ عمر رضي الله عنه استسقى بالعبّاس وقال: اللّهمّ إنّا كنّا إذا قحطنا توسّلنا إليك بنبيّك فتسقينا، وإنّا نتوسّل بعمّ نبيّنا فاسقنا، فيسقون. وروي أنّ معاوية استسقى بيزيد بن الأسود فقال: «اللّهمّ إنّا نستسقي بخيرنا وأفضلنا، اللّهمّ إنّا نستسقي بيزيد بن الأسود. يا يزيد ارفع يديك إلى اللّه تعالى، فرفع يديه ورفع النّاس أيديهم، فثارت سحابةٌ من المغرب كأنّها ترسٌ، وهبّ لها ريحٌ، فسقوا حتّى كاد النّاس ألاّ يبلغوا منازلهم.
20م ـ ويستحبّ أن يتوسّل كلٌّ في نفسه بما قدّم من عملٍ صالحٍ. واستدلّ على هذا بحديث ابن عمر في الصّحيحين عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في قصّة أصحاب الغار، وهم الثّلاثة الّذين آووا إلى الغار، فأطبقت عليهم صخرةٌ، فتوسّل كلّ واحدٍ بصالح عمله، فكشف اللّه عنهم الصّخرة، وقشع الغمّة، وخرجوا يمشون.
21 - قال الشّافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة: يستحبّ تحويل الرّداء للإمام والمأموم، لفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم له، ولأنّ ما فعله الرّسول صلى الله عليه وسلم ثبت في حقّ غيره، ما لم يقم دليلٌ على اختصاصه به. وقد عقل المعنى في ذلك، وهو التّفاؤل بقلب الرّداء، ليقلب اللّه ما بهم من الجدب إلى الخصب. وهو خاصٌّ بالرّجال دون النّساء عند الجميع. وقال محمّد بن الحسن من الحنفيّة، وابن المسيّب، وعروة، والثّوريّ، واللّيث: إنّ تحويل الرّداء مختصٌّ بالإمام فقط دون المأموم؛ لأنّه نقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون أصحابه. وقال أبو حنيفة: لا يسنّ تقليب الرّداء؛ لأنّه دعاءٌ فلا يستحبّ تحويل الرّداء فيه، كسائر الأدعية.
22 - قال الحنابلة، والمالكيّة، وهو رأيٌ للشّافعيّة، وقول أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز، وهشام بن إسحاق، وأبو بكر بن محمّد بن حزمٍ: يقلب المستسقون أرديتهم، فيجعلون ما على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين، ودليلهم في ذلك ما روى أبو داود بإسناده عن عبد اللّه بن زيدٍ، «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حوّل رداءه، وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن». وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك، وقد نقل تحويل الرّداء جماعةٌ، كلّهم نقلوه بهذه الصّفة، ولم ينقل عن أحدٍ منهم أنّه جعل أعلاه أسفله. وقال محمّد بن الحسن من الحنفيّة، والشّافعيّة في الرّأي الرّاجح: إن كان الرّداء مدوّراً بأن كان جبّةً يجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وإن كان الرّداء مربّعاً يجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّه استسقى وعليه رداءٌ، فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها، فلمّا ثقلت عليه جعل العطاف الّذي في الأيسر على عاتقه الأيمن، والّذي على الأيمن على عاتقه الأيسر»، ويبدأ بتحويل الرّداء عند البدء بالدّعاء والتّضرّع إلى اللّه تعالى.
23 - اتّفق الفقهاء على، أنّ السّنّة خروج الإمام للاستسقاء مع النّاس، فإذا تخلّف فقد أساء بترك السّنّة، ولا قضاء عليه.
24 - في مسألة تخلّف الإمام رأيان: الرّأي الأوّل: وهو رأي الشّافعيّة، ورأيٌ للحنابلة: إذا تخلّف الإمام عن الاستسقاء أناب عنه. فإذا لم ينب لم يترك النّاس الاستسقاء، وقدّموا أحدهم للصّلاة، كما إذا خلت الأمصار من الولاة قدّموا أحدهم للجمعة والعيد والكسوف، كما قدّم النّاس أبا بكرٍ رضي الله عنه حين ذهب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمر وبني عوفٍ، وقدّموا عبد الرّحمن بن عوفٍ في غزوة تبوك حين تأخّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحاجته، وكان ذلك في الصّلاة المكتوبة. قال الشّافعيّ: فإذا جاز في المكتوبة فغيرها أولى. الرّأي الثّاني: لا يستحبّ الاستسقاء بالصّلاة إلاّ بخروج الإمام، أو رجلٍ من قبله. وهو رأيٌ للحنابلة والحنفيّة، فإذا خرجوا بغير إذن الإمام دعوا وانصرفوا بلا صلاةٍ ولا خطبةٍ.
25 - يستحبّ عند المذاهب الأربعة خروج الشّيوخ والضّعفاء والصّبيان والعجزة وغير ذات الهيئة من النّساء. وقال المالكيّة: بخروج من يعقل من الصّبيان، أمّا من لا يعقل فيكره خروجهم مع الجماعة للصّلاة. واستدلّوا لخروج من ذكر بقول الرّسول عليه الصلاة والسلام: «هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم».
26 - في المسألة ثلاثة آراءٍ: الأوّل: يستحبّ إخراج الدّوابّ؛ لأنّه قد تكون السّقيا بسببهم. وهو قول الحنفيّة، ورأيٌ للشّافعيّة؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لولا عبادٌ للّه ركّعٌ، وصبيانٌ رضّعٌ، وبهائم رتّعٌ لصبّ عليكم العذاب صبّاً، ثمّ رصّ رصّاً». ولما روى الإمام أحمد أنّ سليمان عليه السلام «خرج بالنّاس يستسقي، فإذا هو بنملةٍ رافعةٍ بعض قوائمهما إلى السّماء. فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النّملة» وقال أصحاب هذا الرّأي: إذا أقيمت في المسجد، أوقفت الدّوابّ عند باب المسجد. الثّاني: لا يستحبّ إخراج البهائم؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفعله. وهو قول الحنابلة، والمالكيّة، ورأيٌ ثانٍ للشّافعيّة. الثّالث: لا يستحبّ ولا يكره، وهو رأيٌ ثالثٌ للشّافعيّة.
27 - في المسألة رأيان: الأوّل: وهو للمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة: لا يستحبّ خروج الكفّار وأهل الذّمّة، بل يكره، ولكن إذا خرجوا مع النّاس في يومهم، وانفردوا في مكان وحدهم لم يمنعوا. وجملة ما استدلّوا به أنّه لا يستحبّ إخراج أهل الذّمّة والكفّار؛ لأنّهم أعداء اللّه الّذين كفروا به وبدّلوا نعمة اللّه كفراً، فهم بعيدون من الإجابة. وإن أغيث المسلمون فربّما قالوا: هذا حصل بدعائنا وإجابتنا، وإن خرجوا لم يمنعوا؛ لأنّهم يطلبون أرزاقهم من ربّهم فلا يمنعون من ذلك، ولا يبعد أن يجيبهم اللّه تعالى؛ لأنّه قد ضمن أرزاقهم في الدّنيا، كما ضمن أرزاق المؤمنين. ولكن يؤمرون بالانفراد عن المسلمين؛ لأنّه لا يؤمن أن يصيبهم بعذابٍ فيعمّ من حضرهم. ولا يخرجون وحدهم، فإنّه لا يؤمن أن يتّفق نزول الغيث يوم خروجهم وحدهم، فيكون أعظم فتنةً لهم، وربّما افتتن غيرهم. الرّأي الثّاني: وهو للحنفيّة، ورأيٌ للمالكيّة، قال به أشهب وابن حبيبٍ: لا يحضر الذّمّيّ والكافر الاستسقاء، ولا يخرج له؛ لأنّه لا يتقرّب إلى اللّه تعالى بدعائه. والاستسقاء لاستنزال الرّحمة، وهي لا تنزل عليهم، ويمنعون من الخروج؛ لاحتمال أن يسقوا فتفتتن به الضّعفاء والعوامّ.
1 - الاستسلام في اللّغة: الانقياد والخضوع للغير. ويستعمل الفقهاء كلمة «استسلامٍ» بهذا المعنى أيضاً. ويعبّرون أيضاً عن الاستسلام بـ «النّزول على الحكم وقبول الجزية».
2 - أ - استسلام العدوّ سواءٌ أكان كافراً - ما لم يكن من مشركي العرب - أم مسلماً باغياً موجبٌ للكفّ عن قتاله. وقد أفاض الفقهاء في الحديث عن ذلك في كتاب الجهاد، وفي كتاب البغاة. 3 - ب - لا يجوز للمسلم أن يستسلم لعدوّه الظّالم - سواءٌ كان مسلماً أو كافراً - إلاّ أن يخاف على نفسه، أو على عضوٍ من أعضائه، ولا يجد حيلةً للحفاظ عليها إلاّ بالاستسلام، فيجوز له الاستسلام حينئذٍ. وقد ذكر الفقهاء في كتاب الجهاد: أنّه لا يجوز للمسلمين الاستسلام لعدوّهم في ساحة المعركة إلاّ بهذا الشّرط. وذكروا في كتاب الصّيال: أنّه لا يجوز للمصول عليه أن يستسلم للصّائل إلاّ بهذا الشّرط أيضاً. وذكروا في كتاب الإكراه: أنّ الإكراه على بعض الأفعال، لا تترتّب آثاره إلاّ إذا كان الاستسلام للمكره (بكسر الرّاء) بهذا الشّرط.
انظر: شورى.
1 - الاستشراف في اللّغة: وضع اليد على الحاجب للنّظر، كالّذي يستظلّ من الشّمس حتّى يستبين الشّيء. وأصله من الشّرف: العلوّ، وأشرفت عليه بالألف: اطّلعت عليه. ويستعمله الفقهاء بمعنى: التّطلّع إلى الشّيء، كما في استشراف الأضحيّة. وهو في الأموال بأن يقول: سيبعث إليّ فلانٌ، أو لعلّه يبعث، وإن لم يسأل. وقال أحمد: الاستشراف بالقلب وإن لم يتعرّض، قيل له: إنّ هذا شديدٌ، قال: وإن كان شديداً فهو هكذا، قيل له: فإن كان الرّجل لم يودّ في أن يرسل إليّ شيئاً، إلاّ أنّه قد عرض بقلبي، فقلت: عسى أن يبعث إليّ، قال: هذا إشرافٌ، فإذا جاءك من غير أن تحسّه، ولا خطر على قلبك، فهذا الآن ليس فيه إشرافٌ. وقال البعض: الاستشراف هو: التّعرّض للسّؤال.
2 - ينبغي استشراف الأضحيّة لتعرف سلامتها من العيوب المانعة من الإجزاء، لحديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه «أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وألاّ نضحّي بمقابلةٍ، ولا مدابرةٍ، ولا شرقاء، ولا خرقاء». رواه أبو داود والنّسائيّ وغيرهما، وصحّحه التّرمذيّ. 3 - أمّا الاستشراف في الأموال: فإن كان بالقلب فلا يؤاخذ الإنسان عليه؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ تجاوز لهذه الأمّة عمّا حدّثت به أنفسها، ما لم ينطق به لسانٌ أو تعمله جارحةٌ، وما اعتقده القلب من المعاصي – غير الكفر – فليس بشيءٍ حتّى يعمل به، وخطرات النّفس متجاوزٌ عنها بالإجماع. وعند أحمد: الاستشراف بالقلب كالتّعرّض باللّسان. وللعلماء في قبول المال دون استشرافٍ - بمعنى التّحدّث في النّفس من غير سؤالٍ - ثلاثة آراءٍ: 4 - أ - جواز القبول وعدمه، غير أنّ من الفقهاء من أطلق ذلك، ومنهم من جعله لمن ملك أقلّ من نصابٍ، وقال قومٌ: إنّ ذلك خاصٌّ بعطيّة غير السّلطان. واستدلّوا بحديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه قال: «سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: يا حكيم إنّ هذا المال حلوةٌ خضرةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشرافٍ لم يبارك فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى. قال حكيمٌ: فقلت: يا رسول اللّه والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيمٍ أنّي أعرض عليه حقّه الّذي قسم اللّه له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من النّاس بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى توفّي» رواه البخاريّ. 5 - ب ـ وجوب الآخذ، وحرمة الرّدّ، لحديث سالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر منّي، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير سائلٍ ولا مشرفٍ فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك، قال: فكان سالمٌ لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يردّ شيئاً أعطيه» رواه البخاريّ ومسلمٌ. 6 - ج - استحباب الأخذ، وحمل النّصوص المذكورة للوجوب على الاستحباب، غير أنّ منهم من أطلق، ومنهم من قصره على عطيّة غير السّلطان. جاء في شرح مسلمٍ: «الصّحيح الّذي عليه الجمهور: يستحبّ القبول في غير عطيّة السّلطان، وأمّا عطيّة السّلطان فحرّمها قومٌ، وأباحها قومٌ، وكرهها قومٌ، قال: والصّحيح إن غلب الحرام فيما في يد السّلطان حرّمت، وإلاّ أبيح، إن لم يكن في القابض مانعٌ من الاستحقاق». 7 - والاستشراف بمعنى التّعرّض للسّؤال، لا تختلف أحكامه عن أحكام السّؤال. (ر: سؤالٌ).
8 - يتكلّم الفقهاء عن الاستشراف في صدقة التّطوّع، وفي الأضحيّة، وفي الحظر والإباحة.
1 - الاستشهاد في اللّغة: طلب الشّهادة من الشّهود، فيقال: استشهده: إذا سأله تحمّل أو أداء الشّهادة، قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} واستعمل في القتل في سبيل اللّه، فيقال: استشهد: قتل في سبيل اللّه. وفي اصطلاح الفقهاء لا يخرج استعمالهم عن هذين المعنيين. ويستعمل الفقهاء في الغالب لفظة إشهادٍ، ويراد بها: الاستشهاد على حقٍّ من الحقوق.
2 - الاستشهاد - بمعنى طلب الشّهادة - يختلف من حقٍّ إلى حقٍّ؛ لذا يختلف الحكم تبعاً للمواطن، ومن تلك المواطن: الاستشهاد في الرّجعة، فهو مستحبٌّ عند الحنفيّة، والحنابلة، وفي قولٍ عند الشّافعيّة، ومندوبٌ عند المالكيّة، وواجبٌ في قولٍ آخر عند الشّافعيّة.
3 - يفصّل الفقهاء أحكام الاستشهاد بالنّسبة لكلّ مسألةٍ في موضعها، ومن تلك المواطن: النّكاح، والرّجعة، والوصيّة، والزّنا، واللّقطة، واللّقيط، وكتاب القاضي للقاضي، وغيرها عند الكلام عن الاستشهاد، أو الإشهاد فيها. 4 - أمّا الاستعمال الثّاني - بمعنى القتل في سبيل اللّه - فيرجع في تفصيل ذلك إلى الجنائز، عند الكلام عن غسل الميّت وعدم غسله. والجهاد، عند الحديث عن فضل القتل في سبيل اللّه.
1 - الاستصباح في اللّغة: مصدر استصبح بمعنى: أوقد المصباح، وهو الّذي يشتعل منه الضّوء. واستصبح بالزّيت ونحوه: أي أمدّ به مصباحه، كما في حديث جابرٍ في السّؤال عن شحوم الميتة.. «ويستصبح بها النّاس»: أي يشعلون بها سرجهم " ولم يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى، فقد ورد في طلبة الطّلبة الاستصباح بالدّهن: إيقاد المصباح، وهو السّراج. وفي المصباح المنير استصبحت بالمصباح، واستصبحت بالدّهن: نوّرت به المصباح.
أ - الاقتباس: 2 - الاقتباس له معانٍ عدّةٌ أهمّها: طلب القبس، وهو الشّعلة من النّار، فإذا كان بهذا المعنى فهو يختلف عن الاستصباح، كما ظهر من التعريف. والفرق واضحٌ بين طلب الشّعلة، وإيقاد الشّيء لتتكوّن لنا شعلةٌ، فالإيقاد سابقٌ لطلب الشّعلة. أمّا كون الاقتباس بمعنى تضمين المتكلّم كلامه - شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن الكريم، أو الحديث النّبويّ الشّريف، على وجهٍ لا يكون فيه إشعارٌ بأنّه من القرآن أو الحديث، فهو بعيدٌ جدّاً عن معنى الاستصباح. ب - الاستضاءة: 3 - الاستضاءة مصدر: استضاء. والاستضاءة: طلب الضّوء. يقال: استضاء بالنّار: أي استنار بها، أي انتفع بضوئها، فإيقاد السّراج غير الانتفاع بضوئه، إذ أنّه يكون سابقاً للاستضاءة.
4 - يختلف حكم الاستصباح باختلاف ما يستصبح به، والمكان الّذي يستصبح فيه، فإن كان ما يستصبح به طاهراً فبها، وإلاّ فيفرّق بين ما هو نجسٌ وما هو متنجّسٌ، وما إذا كان في المسجد وما إذا كان في غيره. أ - فإن كان ما يستصبح به نجساً بعينه، كشحم الخنزير، أو شحم الميتة، فجمهور الفقهاء على حرمة الاستصباح به، سواءٌ أكان في المسجد أم في غيره، وذلك للأدلّة التّالية: أوّلاً: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لمّا سئل عن الانتفاع بشحوم الميتة باستصباحٍ وغيره قال: لا، هو حرامٌ». ثانياً: وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنتفعوا من الميتة بشيءٍ». ثالثاً: ولأنّه مظنّة التّلوّث به، ولكراهة دخان النّجاسة. ب - وإن كان متنجّساً، أي أنّ الوقود طاهرٌ في الأصل، وأصابته نجاسةٌ، فإن كان الاستصباح به في المسجد فجمهور الفقهاء على عدم جواز ذلك. أمّا إن كان الاستصباح بالمتنجّس في غير المسجد، فيجوز عند جمهور الفقهاء، لأنّ الوقود يمكن الانتفاع به من غير ضررٍ، فجاز كالطّاهر. وقد جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «في العجين الّذي عجن بماءٍ من آبار ثمود أنّه نهاهم عن أكله، وأمرهم أن يعلفوه النّواضح» (الإبل الّتي يستقى عليها) وهذا الوقود ليس بميتةٍ، ولا هو من شحومها فيتناوله الخبر.
5 - إذا استصبح بالمتنجّس، أو النّجس فلا بأس بدخانه أو رماده عند الحنفيّة والمالكيّة، إذا لم يكن يعلق بالثّياب، وذلك لاضمحلال النّجاسة بالنّار، وزوال أثرها، فمجرّد الملاقاة لا ينجّس، بل ينجّس إذا علق. والظّاهر أنّ المراد بالعلوق أن يظهر أثره، أمّا مجرّد الرّائحة فلا. وكذلك يرون أنّ العلّة في جواز الانتفاع هي التّغيّر وانقلاب الحقيقة، وأنّه يفتى به للبلوى. أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيرون أنّ المتنجّس كالنّجس؛ لأنّه جزءٌ يستحيل منه، والاستحالة لا تطهر، فإن علق شيءٌ وكان يسيراً عفي عنه؛ لأنّه لا يمكن التّحرّز منه فأشبه دم البراغيث، وإن كان كثيراً لم يعف عنه. وقيل أيضاً بأنّ دخان النّجاسة نجسٌ، ولا شكّ أنّ ما ينفصل من الدّخان يؤثّر في الحيطان، وذلك يؤدّي إلى تنجيسها فلا يجوز. وينظر تفصيل هذا في (نجاسةٌ).
6 - يستحبّ عند جمهور الفقهاء إطفاء المصباح عند النّوم، خوفاً من الحريق المحتمل بالغفلة، فإن وجدت الغفلة حصل النّهي. وقد وردت أحاديث كثيرةٌ للرّسول صلى الله عليه وسلم تدلّ على هذا، منها حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: خمّروا الآنية» أي غطّوها «وأجيفوا الأبواب» أي أغلقوها «وأطفئوا المصابيح، فإنّ الفويسقة ربّما جرّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت». قال ابن مفلحٍ: يستحبّ إطفاء النّار عند النّوم؛ لأنّها عدوٌّ مزمومٌ بزمامٍ لا يؤمن لهبها في حالة نوم الإنسان. أمّا إن جعل المصباح في شيءٍ معلّقٍ أو على شيءٍ لا يمكن الفواسق والهوامّ التّسلّق إليه فلا أرى بذلك بأساً.
1 - الاستصحاب في اللّغة: الملازمة، يقال: استصحبت الكتاب وغيره: حملته بصحبتي. وأمّا في الاصطلاح، فقد عرّف بعدّة تعريفاتٍ منها ما عرّفه به الإسنويّ بقوله: الاستصحاب عبارةٌ عن الحكم بثبوت أمرٍ في الزّمن الآتي، بناءً على ثبوته في الزّمن الأوّل. ومثاله: أنّ المتوضّئ بيقينٍ يبقى على وضوئه وإن شكّ في نقض طهارته.
الإباحة: 2 - الإباحة الأصليّة - بمعنى براءة الذّمّة - نوعٌ من أنواع الاستصحاب، وهي ما يسمّى باستصحاب العدم الأصليّ. وأمّا الإباحة الّتي هي قسمٌ من أقسام الحكم التّكليفيّ، فهي مغايرةٌ للاستصحاب، إذ الاستصحاب - عند من يقول به - نوعٌ من الأدلّة الّتي تثبت بها الإباحة وغيرها من الأحكام.
3 - للاستصحاب أنواعٌ ثلاثةٌ متّفقٌ عليها، هي: أ - استصحاب العدم الأصليّ، كنفي وجوب صلاةٍ سادسةٍ، ونفي وجوب صوم شوّالٍ. ب - استصحاب العموم إلى أن يرد المخصّص، كبقاء العموم في قوله تعالى: {وحرّم الرّبا}، واستصحاب النّصّ إلى أن يرد ناسخٌ، كوجوب جلد كلّ قاذفٍ زوجاً أو غيره، إلى أن ورد النّاسخ الجزئيّ، بالنّسبة للزّوج دون غيره. ج - استصحاب حكمٍ دلّ الشّرع على ثبوته ودوامه، كالملك عند جريان العقد الّذي يفيد التّمليك، وكشغل الذّمّة عند جريان إتلافٍ أو إلزامٍ، فيبقى الملك والدّين إلى أن يثبت زوالهما بسببٍ مشروعٍ. وهناك نوعان آخران للاستصحاب مختلفٌ في حجّيّتهما، وموضع تفصيلهما الملحق الأصوليّ. 4 - اختلف الأصوليّون في حجّيّة الاستصحاب على أقوالٍ أشهرها: أ - قال المالكيّة، وأكثر الشّافعيّة، والحنابلة بحجّيّته مطلقاً، أي في النّفي والإثبات. ب - وقال أكثر الحنفيّة، والمتكلّمين بعدم حجّيّته مطلقاً. ج - ومنهم من قال بحجّيّته في النّفي دون الإثبات، وهم أكثر المتأخّرين من الحنفيّة. وهناك أقوالٌ أخرى موضعها وتفصيلها في الملحق الأصوليّ.
5 - الاستصحاب - عند من يقول بحجّيّته - هو آخر دليلٍ يلجأ إليه المجتهد، لمعرفة حكم ما يعرض عليه، ولهذا قال الفقهاء: إنّه آخر مدار الفتوى، وعليه ثبتت القاعدة الفقهيّة المشهورة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان، حتّى يقوم الدّليل على خلافه) والقاعدة: (ما ثبت باليقين لا يزول بالشّكّ).
1 - الاستصلاح في اللّغة: نقيض الاستفساد. وعند الأصوليّين: استنباط الحكم في واقعةٍ لا نصّ فيها ولا إجماع، بناءً على مصلحةٍ عامّةٍ لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها. ويعبّر عنه أيضاً بالمصلحة المرسلة. 2 - والمصلحة في اللّغة: ضدّ المفسدة. وفي الاصطلاح عند الغزاليّ: المحافظة على مقاصد الشّرع الخمسة. 3 - والمصالح المرسلة: ما لا يشهد لها أصلٌ بالاعتبار ولا بالإلغاء، لا بالنّصّ ولا بالإجماع، ولا يترتّب الحكم على وفقه. أ - الاستحسان: 4 - عرّفه الأصوليّون بتعاريف كثيرةٍ، المختار منها: العدول إلى خلاف النّظير بدليلٍ أقوى منه، كدخول الحمّام من غير تقييدٍ بزمان مكثٍ، ولا مقدار ماءٍ، لدليل العرف. وعلى ذلك فالاستحسان يكون في مقابلة قياسٍ بقياسٍ، أو بمقابلة نصٍّ بقاعدةٍ عامّةٍ، والاستصلاح ليس كذلك. ب - القياس: 5 - وهو مساواة المسكوت عنه بالمنصوص عليه في علّة الحكم. فالفرق بين الاستصلاح وبين القياس: أنّ للقياس أصلاً يقاس الفرع عليه، في حين أنّه ليس للاستصلاح هذا الأصل. أقسام المناسب المرسل: 6 - المناسب الّذي يقوم عليه الاستصلاح ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ: أ - إمّا أن يعتبره الشّارع بأيّ نوعٍ من أنواع الاعتبارات. ب - وإمّا أن يلغيه. ج - وإمّا أن يسكت عنه. والأخير هو الاستصلاح.
7 - اختلف في حجّيّته على مذاهب كثيرةٍ، والحقّ أنّه ما من مذهبٍ من المذاهب إلاّ يأخذ به إجمالاً، وقد وضع بعضهم قيوداً لجواز الأخذ به، وبيان ذلك كلّه في الملحق الأصوليّ، عند الكلام عن المصلحة المرسلة.
1 - الاستصناع في اللّغة: مصدر استصنع الشّيء: أي دعا إلى صنعه، ويقال: اصطنع فلانٌ باباً: إذا سأل رجلاً أن يصنع له باباً، كما يقال: اكتتب أي أمر أن يكتب له. وفي الاصطلاح هو على ما عرّفه بعض الحنفيّة: عقدٌ على مبيعٍ في الذّمّة شرط فيه العمل. فإذا قال شخصٌ لآخر من أهل الصّنائع: اصنع لي الشّيء الفلانيّ بكذا درهماً، وقبل الصّانع ذلك، انعقد استصناعاً عند الحنفيّة، وكذلك الحنابلة، حيث يستفاد من كلامهم أنّ الاستصناع: بيع سلعةٍ ليست عنده على غير وجه السّلم، فيرجع في هذا كلّه عندهم إلى البيع وشروطه عند الكلام عن البيع بالصّنعة. أمّا المالكيّة والشّافعيّة: فقد ألحقوه بالسّلم، فيؤخذ تعريفه وأحكامه من السّلم، عند الكلام عن السّلف في الشّيء المسلم للغير من الصّناعات.
أ - الإجارة على الصّنع: 2 - الإجارة على الصّنع هي عند بعض الفقهاء: بيع عملٍ تكون العين فيه تبعاً. فالإجارة على الصّنع تتّفق مع الاستصناع في كون العمل على العامل، وهو الصّانع في الاستصناع، والأجير في الإجارة على الصّنع. ويفترقان في محلّ البيع. ففي الإجارة على الصّنع: المحلّ هو العمل، أمّا في الاستصناع: فهو العين الموصوفة في الذّمّة، لا بيع العمل. وفرقٌ آخر هو أنّ الإجارة على الصّنع تكون بشرط: أن يقدّم المستأجر للعامل «المادّة»، فالعمل على العامل، والمادّة من المستأجر، أمّا في الاستصناع: فالمادّة والعمل من الصّانع. ب - السّلم في الصّناعات: 3 - السّلم في الصّناعات هو نوعٌ من أنواع السّلم، إذ أنّ السّلم إمّا أن يكون بالصّناعات أو بالمزروعات، أو غير ذلك. والسّلم هو: «شراء آجلٍ بعاجلٍ» فالاستصناع يتّفق مع السّلم بصورةٍ كبيرةٍ، فالآجل الّذي في السّلم هو ما وصف في الذّمّة، وممّا يؤكّد هذا جعل الحنفيّة مبحث الاستصناع ضمن مبحث السّلم، وهو ما فعله المالكيّة والشّافعيّة، إلاّ أنّ السّلم عامٌّ للمصنوع وغيره، والاستصناع خاصٌّ بما اشترط فيه الصّنع، والسّلم يشترط فيه تعجيل الثّمن، في حين أنّ الاستصناع التّعجيل - فيه عند أكثر الحنفيّة - ليس بشرطٍ. ج - الجعالة: 4 - الجعالة هي: التزام عوضٍ معلومٍ على عملٍ معيّنٍ أو مجهولٍ عسر عمله، وهي عقدٌ على عملٍ. فالجعالة تتّفق مع الاستصناع في أنّهما عقدان شرط فيهما العمل. ويفترقان في أنّ الجعالة عامّةٌ في الصّناعات وغيرها، إلاّ أنّ الاستصناع خاصٌّ في الصّناعات، كما أنّ الجعالة العمل فيها قد يكون معلوماً، وقد يكون مجهولاً، في حين أنّ الاستصناع لا بدّ أن يكون معلوماً.
5 - اختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم: هو مواعدةٌ وليس ببيعٍ. وقال بعضهم: هو بيعٌ لكن للمشتري فيه خيارٌ، وهو الصّحيح، بدليل أنّ محمّداً رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان، وذلك لا يكون في العدّات. وكذا أثبت فيه خيار الرّؤية، وأنّه يختصّ بالبياعات. وكذا يجري فيه التّقاضي، وأنّ ما يتقاضى فيه الواجب، لا الموعود. وهناك رأيٌ عند بعض الحنفيّة أنّه وعدٌ، وذلك لأنّ الصّانع له ألاّ يعمل، وبذلك كان ارتباطه مع المستصنع ارتباط وعدٍ لا عقدٍ؛ لأنّ كلّ ما لا يلزم به الصّانع مع إلزام نفسه به يكون وعداً لا عقداً، لأنّ الصّانع لا يجبر على العمل بخلاف السّلم، فإنّه مجبرٌ بما التزم به؛ ولأنّ المستصنع له الحقّ في عدم تقبّل ما يأتي به الصّانع من مصنوعٍ، وله أن يرجع عمّا استصنعه قبل تمامه ورؤيته، وهذا علامة أنّه وعدٌ لا عقدٌ.
6 - يرى أكثر الحنفيّة والحنابلة أنّ الاستصناع بيعٌ. فقد عدّد الحنفيّة أنواع البيوع، وذكروا منها الاستصناع، على أنّه بيع عينٍ شرط فيه العمل، أو هو بيعٌ لكن للمشتري خيار الرّؤية، فهو بيعٌ إلاّ أنّه ليس على إطلاقه، فخالف البيع المطلق في اشتراط العمل في الاستصناع، والمعروف أنّ البيع لا يشترط فيه العمل. وقال بعض الحنفيّة: إنّ الاستصناع إجارةٌ محضةٌ، وقيل: إنّه إجارةٌ ابتداءً، بيعٌ انتهاءً.
7 - الاستصناع - باعتباره عقداً مستقلاًّ - مشروعٌ عند أكثر الحنفيّة على سبيل الاستحسان، ومنعه زفر من الحنفيّة أخذاً بالقياس؛ لأنّه بيع المعدوم. ووجه الاستحسان: استصناع الرّسول صلى الله عليه وسلم الخاتم، والإجماع من لدن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون نكيرٍ، وتعامل النّاس بهذا العقد والحاجة الماسّة إليه. ونصّ الحنابلة على أنّه لا يصحّ استصناع سلعةٍ، لأنّه بيع ما ليس عنده على وجه غير السّلم، وقيل: يصحّ بيعه إلى المشتري إن صحّ جمعٌ بين بيعٍ وإجارةٍ منه بعقدٍ واحدٍ؛ لأنّه بيعٌ وسلمٌ.
8 - الاستصناع شرع لسدّ حاجات النّاس ومتطلّباتهم؛ نظراً لتطوّر الصّناعات تطوّراً كبيراً، فالصّانع يحصل له الارتفاق ببيع ما يبتكر من صناعةٍ هي وفق الشّروط الّتي وضع عليها المستصنع في المواصفات والمقايسات، والمستصنع يحصل له الارتفاق بسدّ حاجيّاته وفق ما يراه مناسباً لنفسه وبدنه وماله، أمّا الموجود في السّوق من المصنوعات السّابقة الصّنع فقد لا تسدّ حاجات الإنسان. فلا بدّ من الذّهاب إلى من لديه الخبرة والابتكار.
أركان الاستصناع هي: العاقدان، والمحلّ، والصّيغة. 9 - أمّا الصّيغة، أو الإيجاب والقبول فهي: كلّ ما يدلّ على رضا الجانبين «البائع والمشتري» ومثالها هنا: اصنع لي كذا، ونحو هذه العبارة لفظاً أو كتابةً. 10 - وأمّا محلّ الاستصناع فقد اختلف فقهاء الحنفيّة فيه، هل هو العين أو العمل ؟ فجمهور الحنفيّة على أنّ العين هي المعقود عليه، وذلك لأنّه لو استصنع رجلٌ في عينٍ يسلّمها له الصّانع بعد استكمال ما يطلبه المستصنع، سواءٌ أكانت الصّنعة قد تمّت بفعل الصّانع أم بفعل غيره بعد العقد، فإنّ العقد يلزم، ولا تردّ العين لصانعها إلاّ بخيار الرّؤية. فلو كان العقد وارداً على صنعة الصّانع أي «عمله» لما صحّ العقد إذا تمّت الصّنعة بصنع غيره. وهذا دليلٌ على أنّ العقد يتوجّه على العين لا على الصّنعة. ويرون أنّ المتّفق عليه أنّ الاستصناع ثبت فيه للمستصنع خيار الرّؤية، وخيار الرّؤية لا يكون إلاّ في بيع العين، فدلّ ذلك على أنّ المبيع هو العين لا الصّنعة. ومن الحنفيّة من يرى أنّ المعقود عليه في الاستصناع هو العمل، وذلك لأنّ عقد الاستصناع ينبئ عن أنّه عقدٌ على عملٍ، فالاستصناع طلب العمل لغةً، والأشياء الّتي تستصنع بمنزلة الآلة للعمل، ولو لم يكن عقد الاستصناع عقد عملٍ لما جاز أن يفرد بالتّسمية.
11 - للاستصناع شروطٌ هي: أ - أن يكون المستصنع فيه معلوماً، وذلك ببيان الجنس والنّوع والقدر. والاستصناع يستلزم شيئين هما: العين والعمل، وكلاهما يطلب من الصّانع. ب - أن يكون ممّا يجري فيه التّعامل بين النّاس؛ لأنّ ما لا تعامل فيه يرجع فيه للقياس فيحمل على السّلم ويأخذ أحكامه. ج - عدم ضرب الأجل: اختلف في هذا الشّرط، فمن الحنفيّة من يرى أنّه يشترط في عقد الاستصناع خلوّه من الأجل، فإذا ذكر الأجل في الاستصناع صار سلماً، ويعتبر فيه شرائط السّلم. وقد استدلّوا على اشتراط عدم ضرب الأجل في الاستصناع: بأنّ السّلم عقدٌ على مبيعٍ في الذّمّة مؤجّلاً. فإذا ما ضرب في الاستصناع أجلٌ صار بمعنى السّلم ولو كانت الصّيغة استصناعاً. وبأنّ التّأجيل يختصّ بالدّيون؛ لأنّه وضع لتأخير المطالبة، وتأخير المطالبة إنّما يكون في عقدٍ فيه مطالبةٌ، وليس ذلك إلاّ في السّلم، إذ لا دين في الاستصناع. وخالف في ذلك أبو يوسف ومحمّدٌ، إذ أنّ العرف عندهما جرى بضرب الأجل في الاستصناع، والاستصناع إنّما جاز للتّعامل، ومن مراعاة التّعامل بين النّاس رأى الصّاحبان: أنّ. الاستصناع قد تعورف فيه على ضرب الأجل، فلا يتحوّل إلى السّلم بوجود الأجل. وعندهما: أنّ الاستصناع إذا أريد يحمل على حقيقته، فإنّ كلام المتعاقدين يحمل على مقتضاه، وإذا كان كذلك فالأجل يحمل على الاستعجال لا الاستمهال، خروجاً من خلاف أبي حنيفة.
12 - الاستصناع عقدٌ غير لازمٍ عند أكثر الحنفيّة، سواءٌ تمّ أم لم يتمّ، وسواءٌ أكان موافقاً للصّفات المتّفق عليها أم غير موافقٍ. وذهب أبو يوسف إلى أنّه إن تمّ صنعه - وكان مطابقاً للأوصاف المتّفق عليها - يكون عقداً لازماً، وأمّا إن كان غير مطابقٍ لها فهو غير لازمٍ عند الجميع؛ لثبوت خيار فوات الوصف.
13 - ينتهي الاستصناع بتمام الصّنع، وتسليم العين، وقبولها، وقبض الثّمن. كذلك ينتهي الاستصناع بموت أحد العاقدين؛ لشبهه بالإجارة.
1 - الطّيّب لغةً: خلاف الخبث، يقال: شيءٌ طيّبٌ: أي طاهرٌ نظيفٌ. والاستطابة: مصدر استطاب، بمعنى: رآه طيّباً، ومن معانيها: الاستنجاء؛ لأنّ المستنجي يطهّر المكان وينظّفه من النّجس، فتطيب نفسه بذلك. ويطلق الفقهاء الاستطابة على الاستنجاء، ويجعلون الكلمتين مترادفتين. قال ابن قدامة في المغني: «الاستطابة هي: الاستنجاء بالماء أو الأحجار، سمّي استطابةً؛ لأنّه يطيّب جسده بإزالة الخبث عنه». وقد وردت استطابةٌ بمعنى حلق العانة في حديث خبيب بن عديٍّ لمّا أرادوا قتله أنّه قال لامرأة عقبة بن الحارث: «ابغني حديدةً أستطيب بها». 2 - ولأحكام الاستطابة بمعنى الاستنجاء (ر: استنجاءٌ). ولأحكامها بمعنى حلق العانة (ر: استحدادٌ).
1 - الاستطاعة في اللّغة: القدرة على الشّيء. والقدرة: هي صفةٌ بها إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل. وهي عند الفقهاء كذلك، فهم يقولون مثلاً: الاستطاعة شرطٌ لوجوب الحجّ. وإذا كانت الاستطاعة والقدرة بمعنًى واحدٍ، فإنّه يجدر بنا أن ننوّه أنّ الفقهاء يستعملون كلتا الكلمتين: (استطاعةٌ، قدرةٌ). وأنّ الأصوليّين يستعملون كلمة: (قدرةٌ). قال في فواتح الرّحموت شرح مسلّم الثّبوت: اعلم أنّ القدرة المتعلّقة بالفعل، المستجمعة لجميع الشّرائط الّتي يوجد الفعل بها، أو يخلق اللّه تعالى عندها، تسمّى: (استطاعةٌ).
الإطاقة 2 - لا خلاف في المعنى بين استطاعةٍ وإطاقةٍ، إذ أنّ كلّ كلمةٍ منهما تدلّ على غاية مقدور القادر، واستفراغ وسعه في المقدور. إلاّ أنّ ما يفرّقهما عن (القدرة) في الاستعمال اللّغويّ هو: أنّ القدرة ليست لغاية المقدور، ولذلك يوصف اللّه تعالى بالقادر ولا يوصف بالمطيق أو المستطيع.
3 - اتّفق الفقهاء على أنّ الاستطاعة شرطٌ للتّكليف، فلا يجوز التّكليف بما لا يستطاع عادةً، دلّ على ذلك كثيرٌ من نصوص القرآن والسّنّة، فقال جلّ شأنه: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}، وقال صلى الله عليه وسلم: «إخوانكم خولكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم». وقد حكى في عمدة القاريّ عند كلامه على هذا الحديث الاتّفاق على تحريم التّكليف بغير المستطاع. وإذا صدر التّكليف حين الاستطاعة، ثمّ فقدت هذه الاستطاعة حين الأداء، أوقف هذا التّكليف إلى حين الاستطاعة. فقد كلّف اللّه تعالى من أراد الصّلاة بالوضوء، فإن لم يستطعه سقط عنه الوضوء، وصيّر إلى البدل، وهو التّيمّم. وكلّف الحانث في يمينه بكفّارة الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فإن لم يستطع واحداً منها حين الأداء سقطت عنه وصير إلى البدل، وهو الصّيام. وكلّف المسلم بالحجّ، فإن لم يستطعه حين الأداء لمرضٍ، أو فقد نفقةٍ، أو غير ذلك، سقط هذا التّكليف إلى حين الاستطاعة. وتجد ذلك مبسوطاً في أبوابه من كتب الفقه، وفي مبحث الحكم من كتب الأصول.
4 - وشرط تحقّق الاستطاعة: وجودها حقيقةً لا حكماً. ومعنى وجودها حقيقةً وجود القدرة على الفعل من غير تعسّرٍ، ومعنى وجودها حكماً القدرة على الأداء بتعسّرٍ.
5 - يمكن تقسيم الاستطاعة إلى عدّة تقسيماتٍ بحسب أنواعها: التّقسيم الأوّل: استطاعةٌ ماليّةٌ، واستطاعةٌ بدنيّةٌ. 6 - الاستطاعة الماليّة: يشترط توافرها فيما يلي: أوّلاً: في أداء الواجبات الماليّة المحضة، كالزّكاة، وصدقة الفطر، والهدي في الحجّ، والنّفقة، والجزية، والكفّارات الماليّة، والنّذر الماليّ، والكفالة بالمال، ونحو ذلك. ثانياً: في الواجبات البدنيّة الّتي يتوقّف القيام بها على الاستطاعة الماليّة، كقدرة فاقد الماء على شرائه بثمن المثل للوضوء أو الغسل، وقدرة فاقد ما يستر به عورته على شراء ثوبٍ بثمن المثل ليصلّي فيه، وقدرة مريد الحجّ على توفير الزّاد والرّاحلة ونفقة العيال، وقد فصّل ذلك الفقهاء في الأبواب المذكورة. 7 - أمّا الاستطاعة البدنيّة. فإنّها مشترطةٌ في وجوب الواجبات البدنيّة، كوجوب الطّهارة، وأداء الصّلاة على الوجه الأكمل، وفي الصّوم، وفي الحجّ، وفي النّذر البدنيّ كالصّلاة والصّوم، وفي الكفّارات البدنيّة كالصّيام، وفي النّكاح، وفي الحضانة، وفي الجهاد، وقد فصّلت أحكام ذلك في الأبواب المذكورة في كتب الفقه. التّقسيم الثّاني: استطاعةٌ بالنّفس، واستطاعةٌ بالغير. 8 - الاستطاعة بالنّفس: تكون بقدرة المكلّف على القيام بما كلّف به بنفسه من غير افتقارٍ إلى غيره. 9 - والاستطاعة بالغير: هي قدرة المكلّف على القيام بما كلّف به بإعانة غيره، وعدم قدرته بنفسه. وهذا النّوع من الاستطاعة اختلف الفقهاء في تحقّق شرط التّكليف به: فالجمهور من الفقهاء يعتبرون المستطيع بغيره مكلّفاً بمقتضى هذه الاستطاعة، ذهب إلى ذلك المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّدٌ؛ لأنّ المستطيع بغيره يعتبر قادراً على الأداء. وعند أبي حنيفة: المستطيع بغيره عاجزٌ وغير مستطيعٌ؛ لأنّ العبد يكلّف بقدرة نفسه لا بقدرة غيره؛ ولأنّه يعدّ قادراً إذا اختصّ بحالةٍ تهيّئ له الفعل متى أراد، وهذا لا يتحقّق بقدرة غيره. ويستثني أبو حنيفة من ذلك حالتين: الحالة الأولى: ما إذا وجد من كانت إعانته واجبةً عليه، كولده وخادمه. الحالة الثّانية: ما إذا وجد من إذا استعان به أعانه من غير منّةٍ، كزوجته، فإنّه يكون قادراً بقدرة هؤلاء. وقد أورد الفقهاء ذلك في كثيرٍ من أبواب الفقه. واختلفوا في حكمها، ومنها: العاجز عن الوضوء إذا وجد من يعينه. والعاجز عن التّوجّه إلى القبلة إذا وجد من يوجّهه إليها. والأعمى إذا وجد من يقوده إلى صلاة الجمعة والجماعة. والأعمى والشّيخ الكبير إذا وجدا من يعينهما على أداء أفعال الحجّ. التّقسيم الثّالث: - وهو للحنفيّة - استطاعةٌ ممكنةٌ، واستطاعةٌ ميسّرةٌ: 10 - الاستطاعة الممكنة مفسّرةٌ بسلامة الآلات وصحّة الأسباب، وارتفاع الموانع، إذ عديم الرّجلين لا يستطيع المشي، ومن حبسه عدوٌّ لا يستطيع الحجّ وهكذا. والاستطاعة الممكنة شرطٌ في أداء الواجب عيناً، فإن فاتت لا يسقط الواجب عن الذّمّة بفواتها. ولا يشترط توفّرها في قضاء الواجب؛ لأنّ اشتراطها لتحقّق التّكليف، وقد وجد، فإذا لم يتكرّر الوجوب لا يجب تكرّر الاستطاعة الّتي هي شرط الوجوب. 11 - أمّا الاستطاعة الميسّرة، فهي قدرة الإنسان على الفعل بسهولةٍ ويسرٍ. والاستطاعة الميسّرة شرطٌ في وجوب بعض الواجبات المشروطة بها، حتّى لو فاتت هذه القدرة سقط الواجب عن الذّمّة. فالزّكاة واجبةٌ بالقدرة الميسّرة، ومن وجوه اليسر فيها: أنّها قليلٌ من كثيرٍ، وتؤدّى مرّةً واحدةً في الحول، ولهذا التّيسير سقط وجوبها بهلاك النّصاب، إذ لو وجبت مع الهلاك انقلب اليسر عسراً.
12 - الاستطاعة تختلف من شخصٍ إلى شخصٍ آخر، فتجاه عملٍ معيّنٍ قد يكون شخصٌ مستطيعاً له، وشخصٌ آخر غير مستطيعٍ له، كالمرض بأنواعه الّتي يختلف أثرها على القدرة. كما تختلف الاستطاعة من عملٍ إلى عملٍ، فالأعرج غير مستطيعٍ للجهاد بالنّفس، ولكنّه مستطيعٌ للجهاد بالمال، ومستطيعٌ لأداء صلاة الجمعة وهكذا.
1 - استطلاق البطن في اللّغة: هو مشيه، وكثرة خروج ما فيه. والمعنى الاصطلاحيّ هو المعنى اللّغويّ، فقد عرّفه الفقهاء بقولهم: استطلاق البطن هو: جريان ما فيه من الغائط.
2 - استطلاق البطن من الأعذار الّتي تبيح العبادة مع وجود العذر. وشروط اعتباره عذراً هو: أن يستوعب وجوده تمام وقت صلاةٍ مفروضةٍ، وهذا عند الحنفيّة، والشّافعيّة، والحنابلة. وعند المالكيّة: يعتبر عذراً إن لازم الحدث كلّ الوقت، أو أغلبه، أو نصفه. ويختلف المالكيّة في المقصود بالوقت، هل هو وقت الصّلاة أو الوقت مطلقاً ؟ أي غير مقيّدٍ بكونه وقت صلاةٍ، فيشمل ما بين طلوع الشّمس والزّوال على قولين: أظهرهما: أنّه وقت الصّلاة؛ لأنّ غير وقت الصّلاة لا عبرة بمفارقته وملازمته، إذ ليس هو مخاطباً حينئذٍ بالصّلاة. والوضوء واجبٌ لوقت كلّ صلاةٍ عند الحنفيّة، والشّافعيّة، والحنابلة. وذلك لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: «أنّها تتوضّأ لكلّ صلاةٍ». وينتقض الوضوء بخروج الوقت عند الشّافعيّة، والحنابلة، وأبي حنيفة ومحمّدٍ. وينتقض عند زفر بدخول الوقت. وبأيّهما عند أبي يوسف. أمّا المالكيّة: فعندهم أنّ الوضوء لا ينتقض، وهو (أي الوضوء) غير واجبٍ ولا مستحبٍّ لمن لازمه الحدث كلّ الوقت، ومستحبٌّ فقط لمن لازمه الحدث أكثر الوقت أو نصفه، وقيل: إن لازمه نصفه وجب الوضوء لكلّ صلاةٍ.
1 - الاستظلال في اللّغة: طلب الظّلّ، والظّلّ هو: كلّ ما لم تصل إليه الشّمس. وفي الاصطلاح: هو قصد الانتفاع بالظّلّ.
2 - الاستظلال عموماً - سواءٌ تحت شجرةٍ أو جدارٍ أو سقفٍ وما كان في معناه - مباحٌ لكلّ مسلمٍ محرمٍ أو غير محرمٍ اتّفاقاً. أمّا الاستظلال للمحرم في المحمل خاصّةً - وما كان في معناه - فقد اختلف الفقهاء فيه، فمنهم من جوّزه مطلقاً، وهم الشّافعيّة، ومنهم من اشترط ألاّ يصيب رأسه أو وجهه، وهم الحنفيّة...، وكره ذلك المالكيّة، والحنابلة.
3 - الاستظلال في الإحرام موطنه مبحث الحجّ، عند الكلام عن المحرم: ما يجوز له وما لا يجوز. والإجارة على الاستظلال ذكروها في الإجارة، عند الكلام عن شروطها. والجلوس بين الشّمس والظّلّ ذكر في الآداب الشّرعيّة للمجالس، عند الكلام عن النّوم والجلوس بين الشّمس والظّلّ. والنّذر بترك الاستظلال ذكر في النّذر، عند الكلام عن النّذر المباح.
1 - ذكر صاحب اللّسان للاستظهار ثلاثة معانٍ: أ - أن يكون بمعنى: الاستعانة، أي طلب العون. قال: «استظهر به أي استعانه، وظهرت عليه: أعنته، وظاهر فلاناً: أعانه». وقال أيضاً: «استظهره: استعانه»، وعلى هذا يكون الفعل ممّا يتعدّى بنفسه وبالباء. ب - ويكون بمعنى القراءة عن ظهر قلبٍ، قال: «قرأت القرآن عن ظهر قلبي أي: قرأته من حفظي، وقد قرأه ظاهراً واستظهره أي: حفظه وقرأه ظاهراً». وفي القاموس «استظهره: قرأه من ظهر القلب، أي حفظاً بلا كتابٍ». ج - ويكون بمعنى الاحتياط، قال صاحب اللّسان: «في كلام أهل المدينة إذا استحيضت المرأة، واستمرّ بها الدّم فإنّها تقعد أيّامها للحيض، فإذا انقضت استظهرت بثلاثة أيّامٍ، تقعد فيها للحيض ولا تصلّي، ثمّ تغتسل وتصلّي. قال الأزهريّ: ومعنى الاستظهار في قولهم هذا: الاحتياط والاستيثاق». ويستعمل الفقهاء الاستظهار بالمعاني الثّلاثة السّابقة.
استظهار القرآن: 2 - في كون استظهار القرآن أفضل من قراءته من المصحف ثلاثة أقوالٍ للعلماء: أوّلها: أنّ القراءة في المصحف أفضل من استظهاره، ونسبه النّوويّ إلى الشّافعيّة، وقال: إنّه المشهور عن السّلف. ووجهه: أنّ النّظر في المصحف عبادةٌ. واحتجّ له الزّركشيّ والسّيوطيّ برواية أبي عبيدٍ بسنده مرفوعاً: «فضل قراءة القرآن نظراً على من يقرؤه ظاهراً كفضل الفريضة على النّافلة». قال السّيوطيّ: سنده صحيحٌ. وثانيها: أنّ القراءة عن ظهر قلبٍ أفضل، ونسب إلى أبي محمّد بن عبد السّلام. وثالثها: واختاره النّوويّ، إنّ القارئ من حفظه إن كان يحصل له من التّدبّر والتّفكّر وجمع القرآن أكثر ممّا يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل. وبقيّة مباحث الاستظهار تنظر تحت عنوان (تلاوةٌ). يمين الاستظهار: 3 - ذكر بعض الفقهاء يمين الاستظهار، وفسّرها الدّسوقيّ المالكيّ بأنّها مقوّيةٌ للحكم فقط، فلا ينقض الحكم بدونها. وأمّا ما يتوقّف عليه الحكم فهو يمين القضاء، أو يمين الاستبراء. ويحلف المدّعي يمين الاستظهار إذا ادّعى على ميّتٍ أو غائبٍ، وأقام شاهدين بالحقّ. فمن يمين الاستظهار ما قال الرّمليّ الشّافعيّ: أنّه لو ادّعى من لزمته الزّكاة ممّن استولى عليهم البغاة دفع الزّكاة إلى البغاة، فإنّه يصدق بلا يمينٍ لبناء الزّكاة على التّخفيف، ويندب الاستظهار بيمينه على صدقه إذا اتّهم، خروجاً من خلاف من أوجبها. وذكر المالكيّة في المرأة تريد الفراق من زوجها الغائب لعدم النّفقة، فإن كانت الغيبة بعيدةً أجّلها القاضي بحسب ما يراه، فإذا انقضت المدّة استظهر عليها باليمين. والحنفيّة، والحنابلة ذكروا استحلاف المدّعي إذا ادّعى على ميّتٍ أو غائبٍ وأقام بيّنةً.
4 - يذكر الفقهاء يمين الاستظهار في مباحث الدّعوى، ومباحث القضاء، والقضاء على الغائب. وأمّا الاستظهار - بمعنى الاستعانة - فتذكر أحكامه تحت عنوان: (استعانةٌ). ويذكر الاستظهار - بمعنى الاحتياط - في مباحث الحيض، وانظر (احتياطٌ).
نهاية الجزء الثالث/ الموسوعة الفقهية
|